الرئيسيةالعالميةعلوم وتكنولوجيامحليات

التحول الرقمي في الجزائر في عصر الذكاء الاصطناعي: تحديات، رهانات وآفاق

تقرير خاص من الجزائر العاصمة لصحفي : مواس عماد

الجزائر العاصمة، 11 جوان 2025 – تعيش الجزائر اليوم على وقع تحول عميق وغير مسبوق، تحول رقمي يتسارع إيقاعه مع بزوغ فجر الذكاء الاصطناعي الذي بات يلوح في كل زاوية من زوايا حياتنا. لم يعد هذا التحول خياراً ترفياً، بل بات ضرورة حتمية تفرضها متطلبات التطور الاقتصادي والاجتماعي العالمي. تطمح الجزائر، من خلال رؤيتها الطموحة لعام 2030، إلى أن تتبوأ مكانة رائدة على مستوى القارة الإفريقية في هذا المجال الحيوي. لكن هذا المسعى، وإن كان واعداً، إلا أنه محفوف بالتحديات، يحمل في طياته رهانات مصيرية، ويفتح آفاقاً لا حدود لها.

تحديات على محك الواقع:

رغم الخطوات الكبيرة التي قطعتها الجزائر في رحاب الرقمنة، لا تزال هناك عقبات جوهرية تعترض طريق هذا التحول الشامل. فالبنية التحتية الرقمية، وإن شهدت تطوراً ملحوظاً في انتشار الإنترنت الذي يلامس اليوم 80% من السكان، ومع إطلاق شبكة الجيل الخامس (5G)، إلا أن الفجوة الرقمية بين المناطق الحضرية والريفية لا تزال قائمة. كما أن نقص مراكز البيانات الوطنية المتطورة يعد تحدياً بارزاً يعرقل التقدم.

على صعيد المهارات، يبرز تفاوت صارخ بين متطلبات سوق العمل المتسارعة والخبرات المتاحة في مجالات حيوية مثل تكنولوجيا المعلومات، التطوير، الأمن السيبراني، الحوسبة السحابية، والذكاء الاصطناعي. فبرامج التكوين لا تزال بحاجة إلى التكييف، وتبقى هجرة الكفاءات (نزيف الأدمغة) معضلة تؤرق القائمين على القطاع.

الأمر لا يتوقف عند الجانب التقني؛ فمقاومة التغيير والثقافة الرقمية تمثلان حجر عثرة أيضاً. فالعديد من المؤسسات، لاسيما الصغيرة والمتوسطة، لا تزال تعتمد على الأساليب اليدوية أو شبه المؤتمتة، مما يعكس مقاومة ثقافية للتغيير وغياباً للوعي بأهمية الرقمنة كركيزة أساسية للتطور.

وفي ظل تزايد الهجمات السيبرانية عالمياً، يكتسب الأمن السيبراني أهمية قصوى. فحماية البيانات الحساسة وتأمين البنى التحتية الحيوية للبلاد (الطاقة، المالية، الصحة) تشكل تحديات كبرى، والإطار القانوني والحلول الأمنية ما زالت في طور البناء والتطوير. كما أن الإطار التنظيمي والقانوني برمته يواجه تحدياً كبيراً في التكيف مع سرعة التطور التكنولوجي، وضمان حماية البيانات والخصوصية وحقوق الملكية الفكرية في العصر الرقمي. وأخيراً، يبقى تمويل مشاريع التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، وتحفيز الاستثمار في هذه المجالات، رهيناً بوجود سياسات وآليات تمويل مناسبة وفعالة.

رهانات مصيرية لمستقبل واعد:

تضع الجزائر رهانات كبرى على التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، ليس فقط من أجل التحديث، بل لتحقيق أهداف استراتيجية بعيدة المدى. فالهدف الأسمى هو تحسين الحوكمة والخدمات العامة، وتبسيط حياة المواطنين والمؤسسات من خلال تسهيل المعاملات الرقمية وتطوير خدمات عمومية رقمية بالكامل.

كما أن التحول الرقمي يُنظر إليه كقاطرة حقيقية للتنويع الاقتصادي وخلق الثروة. فالجزائر تسعى جاهدة لبناء اقتصاد رقمي وطني يساهم بفعالية في تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد المزمن على المحروقات، مع اعتبار الذكاء الاصطناعي رافعة أساسية لتحقيق مساهمة ملموسة في الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2027.

وعلى مستوى تنافسية الشركات، فإن دمج الرقمنة والذكاء الاصطناعي أصبح أمراً حاسماً لتحسين الإنتاجية، الأداء، الربحية، وجودة المنتجات والخدمات المقدمة من قبل الشركات الجزائرية، لتمكينها من المنافسة في الأسواق الإقليمية والدولية. ولا يمكن إغفال أهمية الاندماج الرقمي والاجتماعي، حيث يمثل ضمان وصول جميع المواطنين إلى التكنولوجيات الرقمية والمهارات اللازمة أمراً حيوياً لتجنب تفاقم الفجوة الرقمية.

تطمح الجزائر كذلك لتعزيز سيادتها التكنولوجية عبر تطوير قدرات وطنية في الذكاء الاصطناعي، وإنشاء مراكز بيانات محلية، وتشجيع استخدام أسماء النطاقات الوطنية (.dz). كل ذلك يصب في خانة سعي الجزائر لتولي زمام القيادة القارية، مستفيدة من نقاط قوتها وموقعها الاستراتيجي، لتصبح لاعباً رئيسياً في المجال الرقمي بإفريقيا من خلال تنويع تعاوناتها التكنولوجية.

آفاق رحبة نحو مستقبل مشرق:

تتبنى الجزائر رؤية استراتيجية واضحة للتحول الرقمي لغاية 2030، تتمحور حول الاتصال عالي الجودة، والخدمات العمومية الرقمية، والاقتصاد الرقمي المولّد للثروة. ولتجسيد هذه الرؤية، اتخذت البلاد مبادرات ملموسة في مجال الذكاء الاصطناعي، منها إنشاء المدرسة العليا للذكاء الاصطناعي، ومراكز متخصصة في تطوير المهارات، وصندوق استثمار مخصص للذكاء الاصطناعي، وهي خطوات سبقت حتى أن يصبح الذكاء الاصطناعي محور اهتمام عالمي.

كما تركز الجزائر على تعزيز الشراكات والتعاون، سواء بين القطاعين العام والخاص محلياً، أو مع الدول والمؤسسات الدولية، بهدف نقل التكنولوجيا وتطوير أنظمة بيئية مبتكرة. ويعد التكوين والبحث العلمي ركيزة أساسية، حيث تسعى الجزائر جاهدة لإصلاح المنظومة التعليمية، وإنشاء تخصصات دقيقة في الذكاء الاصطناعي، وإطلاق برامج دراسية مزدوجة الشهادات لتأهيل الجيل القادم من الكفاءات.

دعم وترويج الشركات الناشئة الرقمية والمبتكرة يمثل محوراً استراتيجياً للنموذج الاقتصادي الجديد القائم على المعرفة. وأخيراً، يعد استغلال البيانات ثروة لا تقل أهمية، حيث يجري إطلاق برنامج وطني لجمع البيانات، إلى جانب مبادرات لإنشاء سوق إفريقي للذكاء الاصطناعي، وذلك بهدف تثمين الإمكانات الهائلة للبيانات.

في المحصلة، إن التحول الرقمي في الجزائر في عصر الذكاء الاصطناعي هو مسار معقد لكنه يحمل في طياته فرصاً هائلة وغير محدودة. فمن خلال مواجهة التحديات المتعلقة بالبنى التحتية، الكفاءات، الأمن السيبراني، والإطار التنظيمي، تستطيع الجزائر أن ترسخ مكانتها كقوة دافعة للابتكار الرقمي في القارة الإفريقية، وأن تحقق نمواً اقتصادياً مستداماً وشاملاً يخدم تطلعات شعبها نحو مستقبل مزدهر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار